الفصل الأول: بغداد… عاصمة العقول
في أوائل القرن التاسع الميلادي، كانت بغداد عاصمة الخلافة العباسية، وواحدة من أعظم مدن العالم، تضجّ بالحياة والتجارة والثقافة. في الأسواق، كانت تُباع الكتب كما تُباع التوابل، وتختلط لغات التجار القادمة من الصين والهند وبلاد فارس وأوروبا.
وسط هذه الحركة، كان هناك مكان أشبه بقلب نابض للمعرفة: بيت الحكمة.
في هذا الصرح، اجتمع العلماء والمترجمون من مختلف أنحاء الإمبراطورية لترجمة الكتب الإغريقية والفارسية والهندية، ومناقشة الأفكار، وتطوير العلوم.
في هذا الجو وُلد ونشأ محمد بن موسى الخوارزمي، في أسرة يُعتقد أنها قدمت من إقليم خوارزم (أوزبكستان حاليًا) واستقرت في بغداد.

الفصل الثاني: فتى مولع بالأرقام
منذ طفولته، كان الخوارزمي مولعًا بالأرقام والأشكال. كان يتأمل في الحسابات التي يستخدمها التجار في الأسواق، ويسأل: “لماذا لا توجد طريقة واحدة واضحة لحل هذه المسائل؟”
كان التعليم في عصره يعتمد على الحفظ والتلقين، لكن الخوارزمي كان يبحث عن الفهم العميق، عن القواعد التي تنظم العالم.
الفصل الثالث: الدخول إلى بيت الحكمة
لم يكن الانضمام إلى بيت الحكمة أمرًا بسيطًا، فقد كان يقتصر على النخبة العلمية في ذلك الوقت. لكن بفضل ذكائه وموهبته في الحساب والفلك، وجد الخوارزمي مكانه بين هؤلاء العقول اللامعة.
هناك، لم يكن مجرد متلقٍ للعلم، بل مشارك نشط في النقاشات العلمية. عمل على ترجمة النصوص الهندية في الحساب، والنصوص الإغريقية في الفلك والهندسة، ثم دمجها وطورها بأسلوب جديد يناسب احتياجات المجتمع الإسلامي في ذلك العصر.
الفصل الرابع: كتاب غيّر التاريخ
في عام 830م تقريبًا، ألّف الخوارزمي كتابه الشهير “المختصر في حساب الجبر والمقابلة”.
هذا الكتاب كان نقطة تحول في تاريخ الرياضيات. قبل الخوارزمي، كانت الحسابات تعتمد على طرق متفرقة، أما هو فجمعها في منهج واحد لحل المعادلات.
الجبر: إعادة صياغة المسألة لإيجاد المجهول.
المقابلة: موازنة طرفي المعادلة للتخلص من الحدود السالبة.
من هذا الكتاب أخذت الرياضيات اسم “Algebra” في اللغات الأوروبية، ووجد العلماء الغربيون لأول مرة طريقة منظمة لحل المشكلات الحسابية.
الفصل الخامس: ميلاد “الخوارزمية”
في مؤلفاته، ابتكر الخوارزمي فكرة تقسيم الحل إلى خطوات متسلسلة، بحيث يمكن لأي شخص اتباعها للوصول إلى نفس النتيجة.
هذه الفكرة، التي سُمّيت لاحقًا Algorithm (تحريف لاسمه)، أصبحت أساس البرمجة الحديثة. كل برنامج كمبيوتر، وكل تطبيق على هاتفك، يقوم على “خوارزمية” لتنفيذ المهام.
الفصل السادس: عالم متعدد التخصصات
لم يكن الخوارزمي رياضياً فقط:
في الفلك: وضع جداول فلكية دقيقة لتحديد مواقع الشمس والقمر والكواكب، مما ساعد في تحديد أوقات الصلاة ورؤية الهلال بدقة.
في الجغرافيا: صحّح خرائط بطليموس، وأعاد رسم العالم بدقة أكبر، معتمداً على خطوط الطول والعرض.
في المثلثات: استخدم الدوال المثلثية في حساب المسافات على سطح الأرض والسماء.
الفصل السابع: عصره الذهبي وعصرنا الحديث
قد يتساءل القارئ: ما علاقة عالم عاش قبل أكثر من 1200 عام بحياتنا اليوم؟
الحقيقة أن إرث الخوارزمي موجود في:
الحسابات البنكية.
أنظمة الملاحة GPS.
الخرائط الرقمية.
برمجيات الحاسوب.
كلها تعتمد على أفكار وضع لبنتها الأولى في بغداد القرن التاسع.
الفصل الثامن: أثره في أوروبا
عندما ترجمت كتبه إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر، أصبحت المراجع الأساسية في الجامعات الأوروبية لقرون.
أرقامنا التي نسميها اليوم “الأرقام العربية” وصلت إلى الغرب من خلال كتبه المترجمة، لتحل محل الأرقام الرومانية المعقدة.
الفصل التاسع: إرث لا يموت
رحل الخوارزمي حوالي عام 850م، لكن أفكاره ما زالت حية في كل عملية حسابية، وكل برنامج حاسوب، وكل خريطة، وكل نظام علمي منظم.
لقد علم العالم ليس فقط كيف يحل المسائل، بل كيف يفكر بطريقة منطقية ومنظمة.
“العلم ميراث خالد… وكل فكرة تُعلَّم تبقى حية ما بقيت العقول تفكر.”

