ماري كوري… السيدة التي أضاءت العالم من قلب الظلام

🕒 13 دقيقة

المقدمة

في نهاية القرن التاسع عشر، كان العلم يشهد تحولات عميقة. الفيزياء كانت تكتشف أسرار الذرة، والكيمياء كانت تعيد صياغة فهم المادة. في وسط هذا العالم المليء بالرجال، ظهرت امرأة من بولندا تدعى ماري سكوودوفسكا كوري.
لم تكن ماري مجرد عالمة موهوبة، بل كانت أيقونة للإصرار والعزيمة. حققت ما لم يحققه أي رجل أو امرأة من قبل: الفوز بجائزتي نوبل في مجالين مختلفين، وفتح أبواب جديدة أمام العلم والإنسانية.

ماري كوري… السيدة التي أضاءت العالم من قلب الظلام

الفصل الأول: طفولة في ظل الاحتلال

وُلدت ماري سكوودوفسكا في 7 نوفمبر 1867 في مدينة وارسو، بولندا، حين كانت البلاد تحت الحكم الروسي.
نشأت في أسرة مثقفة؛ كان والدها أستاذًا في الفيزياء والرياضيات، ووالدتها مديرة لمدرسة داخلية للبنات. لكن الحياة لم تكن سهلة: ماتت والدتها بالسلّ عندما كانت ماري في العاشرة، وفقدت أختها الكبرى قبل ذلك بسنوات قليلة.
كانت الطفلة الصغرى في أسرة مكونة من خمسة أطفال، وورثت حب العلم من والدها الذي كان يشرح لها قوانين الطبيعة ويعرض عليها التجارب في المنزل.


الفصل الثاني: شغف بالعلم رغم القيود

في ذلك الزمن، لم تكن الجامعات في بولندا تسمح للفتيات بالالتحاق بها، لذلك انضمت ماري إلى ما كان يُعرف بـ “الجامعة الطائرة” — وهي شبكة تعليمية سرية كانت تعقد الدروس في منازل خاصة للنساء الطموحات.
عملت كمربية أطفال لتدعم نفسها ماليًا، لكنها كانت تقرأ وتتعلم في كل فرصة.


الفصل الثالث: الرحلة إلى باريس

عام 1891، وهي في الرابعة والعشرين، سافرت ماري إلى باريس للالتحاق بجامعة السوربون.
واجهت حياة صعبة: كانت تعيش في غرفة صغيرة باردة، وتكتفي بخبز وشاي، لكنها تفوقت أكاديميًا بشكل مذهل، وحصلت على إجازة في الفيزياء عام 1893، ثم في الرياضيات عام 1894.


الفصل الرابع: لقاء بيير كوري

خلال بحثها عن مختبر لمتابعة أبحاثها، التقت بالفيزيائي الفرنسي بيير كوري. كان هو الآخر شغوفًا بالعلم، وشكّلا معًا ثنائيًا بحثيًا وزوجين في الحياة، تزوجا عام 1895.
بدأ الزوجان أبحاثهما على الإشعاع، مستلهمين اكتشاف هنري بيكريل لظاهرة الإشعاع الطبيعي في أملاح اليورانيوم.


الفصل الخامس: الاكتشافات الكبرى – البولونيوم والراديوم

بين عامي 1898 و1902، عملت ماري وبيير في ظروف قاسية داخل مختبر بدائي، لمعالجة أطنان من خام البتشبلند (أكسيد اليورانيوم) لاستخلاص مواد جديدة.
توصل الزوجان إلى اكتشاف عنصرين جديدين:

  1. البولونيوم – أطلقته ماري تكريمًا لوطنها بولندا.

  2. الراديوم – الذي أظهر نشاطًا إشعاعيًّا قويًا وأصبح لاحقًا يستخدم في العلاجات الطبية.

هذه الاكتشافات فتحت الباب أمام علم الفيزياء النووية والطب الإشعاعي.


الفصل السادس: جائزة نوبل الأولى

في عام 1903، حصلت ماري وبيير كوري، مع هنري بيكريل، على جائزة نوبل في الفيزياء تقديرًا لأبحاثهم في الإشعاع.
كانت ماري أول امرأة تحصل على نوبل، لكنها في البداية لم تُذكر في الترشيحات، لولا إصرار بيير على إدراج اسمها.


الفصل السابع: مأساة الرحيل

في عام 1906، قُتل بيير كوري في حادث سير مروّع حين صدمه عربة تجرها الخيول.
كان عمر ماري آنذاك 39 عامًا، لكن الحزن لم يمنعها من مواصلة أبحاثهما. أصبحت أول أستاذة في جامعة السوربون، وتولت منصب بيير في التدريس.


الفصل الثامن: جائزة نوبل الثانية

في عام 1911، فازت ماري بجائزة نوبل في الكيمياء لاكتشافها الراديوم والبولونيوم، وأبحاثها الرائدة في مجال الإشعاع.
حتى اليوم، هي الشخص الوحيد الذي حصل على نوبل في مجالين علميين مختلفين.


الفصل التاسع: الحرب العالمية الأولى – العلم في خدمة الإنسانية

مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، سخرت ماري معرفتها لإنقاذ الأرواح. أنشأت وحدات أشعة متنقلة — عُرفت باسم “الصغيرات كوري” — لفحص الجنود الجرحى في ساحات القتال، وقامت بتدريب عشرات الممرضات على استخدام أجهزة الأشعة السينية.


الفصل العاشر: سنوات ما بعد الحرب

واصلت ماري إدارة معهد كوري في باريس، الذي أصبح مركزًا عالميًا لأبحاث الإشعاع. درّبت العديد من العلماء، بينهم ابنتها إيرين جوليو-كوري التي فازت لاحقًا بجائزة نوبل في الكيمياء.


الفصل الحادي عشر: النهاية المأساوية

توفيت ماري كوري في 4 يوليو 1934 عن عمر يناهز 66 عامًا، بسبب فقر الدم اللاتنسجي الناتج عن التعرض المطول للإشعاع.
في زمنها، لم يكن العلماء يعرفون مخاطر الإشعاع، وكانت ماري تتعامل مع المواد المشعة دون أي حماية.


الخاتمة

ماري كوري لم تكن مجرد عالمة؛ كانت رائدة كسرت حواجز النوع الاجتماعي في العلم، وقدمت للبشرية اكتشافات أنقذت أرواحًا وألهمت أجيالًا من النساء والرجال.
إرثها العلمي باقٍ في المستشفيات والمختبرات، وفي كل مكان يُستخدم فيه الإشعاع لعلاج المرضى أو البحث عن الحقيقة.

اقتباس ملهم: “في الحياة، لا شيء يُخاف منه، بل يُفهم.” — ماري كوري